فصل: ومن باب من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب المملوكين يعتقان معًا هل تخير المرأة:

قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب، قال: حَدَّثنا عبيد الله بن عبد المجيد، قال: حَدَّثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن وهب عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها «أنها أرادت أن تعتق مملوكين لها، يَعني زوجين فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تبدأ بالرجل قبل المرأة».
قال الشيخ وفي هذا دلالة على أن الخيار بالعتق إنما يكون للأمة إذا كانت تحت عبد ولو كان لها خيار إذا كانت تحت حر لم يكن لتقديم عتق الزوج عليها معنى ولا فيه فائدة.

.ومن باب إذا اسلم أحد الزوجين:

قال أبو داود: حدثنا نصر بن علي قال أخبرني أبو أحمد عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: «أسلمت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجت فجاء زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد أسلمت وعلمت بإسلامي فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول».
قال الشيخ وفي هذا دليل على أن النكاح متى علم بين زوجين فادعت المرأة الفرقة فإن القول في ذلك قول الزوج وإن قولها في إبطال النكاح غير مقبول والشك لا يزحم اليقين. ولا أعلم خلافًا أنه إذا لم يتقدم إسلام أحد الزوجين إسلام الآخر وكانت المرأة مدخولًا بها ثم أسلم الآخر قبل انقضاء العدة فهما على الزوجية في قول الزهري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وقال مالك بن أنس إذا أسلم الرجل قبل امرأته وقعت الفرقة إذا عرض عليها الإسلام فلم تقبل.
وقال سفيان الثوري في المرأة إذا أسلمت عرض على زوجها الإسلام فإن أسلم فهما على نكاحهما وإن أبى أن يسلم فرق بينهما؛ وكذلك قال أصحاب الرأي إذا كان في دار الإسلام. وإن أسلمت المرأة ثم لحق الزوج بدار الكفر فقد بانت منه لافتراق الدين فإن أسلمت وهما في دار الحرب ولم يخرجا أو واحد منهما إلى دار الإسلام فهو أحق بها إن أسلم قبل أن تنقضي العدة فإذا انقضت العدة فلا سبيل له عليها.
وقال ابن شبرمة تبين منه كما تسلم ولا سبيل له عليها إلاّ بخطبة، وبه قال أبو ثور وروي ذلك عن الحسن وعكرمة وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس.

.ومن باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عمرو الرازي، قال: حَدَّثنا سلمة بن الفضل قال: وحدثنا الحسن بن علي، قال: حَدَّثنا يزيد المعنى، عَن أبي إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: «رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته زينب رضي الله عنها علي أبي العاص بالنكاح الأول لم يحدث شيئا»، قال محمد بن عمرو في حديثه بعد ست سنين، وقال الحسن بن علي بعد سنتين.
قال الشيخ وهذا إن صح فإنه يحتمل أن يكون عدتها قد تطاولت لاعتراض سبب حتى بلغت المدة المذكورة في الحديث إما الطولى منهما وإما القصرى، إلاّ أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه، وقد ضعف أمره علي بن المديني وغيره من علماء الحديث وقد حدثونا عن محمد بن إسماعيل الصائغ، قال: حَدَّثنا سعيد بن منصور، قال: حَدَّثنا أبو معاوية، قال: حَدَّثنا الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بنكاح جديد»، فقد عارض هذه الرواية رواية داود بن الحصين وفيها زيادة ليست في رواية داود بن الحصين والمثبت أولى من النافي غير أن محمد بن إسماعيل قال حديث ابن عباس أصح في هذا الباب من حديث عمرو بن شعيب، وقال أبو عيسى الترمذي قال زيد بن هارون العمل في هذا على حديث عمرو بن شعيب وإن كان إسناد حديث ابن عباس أجود.
قال الشيخ وإنما ضعفوا حديث عمرو بن شعيب من قبل الحجاج بن أرطاة لأنه معروف بالتدليس.
وحكي عن محمد بن عقيل أن يحيى بن سعيد قال لم يسمعه حجاج من عمرو.
قال الشيخ وفي الحديث دليل أن افتراق الدارين لا تأثير له في إيقاع الفرقة وذلك أن أبا العاص كان بمكة بعد أن أطلق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفكه عن أسره وكان قد أخذ عليه أن يجهز زينب إليه ففعل ذلك وقدمت زينب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقامت بها.
وقد روي أن جماعة من النساء ردهن النبي صلى الله عليه وسلم على أزواجهن بالنكاح الأول منهن امرأة عكرمة بن أبي جهل وكان خرج إلى اليمن وهند بنت عتبة أسلم أبو سفيان خارج الحرم وهي مقيمة بمكة وهي دار حرب لم يستول عليها النبي صلى الله عليه وسلم بعد فلما عاد إليها وأسلمت هند كانا على نكاحهما.
وقد تكلم الناس في تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب من أبي العاص ومعلوم أنها لم تزل مسلمة وكان أبو العاص كافرًا ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما زوجها منه قبل نزول قوله عز وجل: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} [البقرة: 221] ثم أسلم أبو العاص فردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعا في الإسلام والنكاح معًا.

.ومن باب من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان:

قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حَدَّثنا هشيم قال: وحدثنا وهب بن بقية قال أخبرنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن حميضة بنت الشمردل عن الحارث بن قيس قال مسدد بن عميرة وقال وهب الأسدي قال، أسلمت وعندي ثماني نسوة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اختر منهن أربعًا» وقال بعضهم في إسناده قيس بن الحارث.
قال الشيخ قوله: «اختر منهن أربعًا» ظاهره يدل على أن الاختيار في ذلك إليه يمسك من شاء منهن سواء كان عقد عليهن في عقد واحد أو متفرقات لا يعتبر المتقدمة في العقد ولا المتأخرة منهن لأن الأمر قد فوض إليه في الاختيار من غير استفصال، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأراه قول محمد بن الحسن، وقد روي ذلك عن الحسن البصري.
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري إن نكحهن في عقد واحد فرق بينه وبينهن وإن كان نكح واحدة بعد الأخرى حبس أربعا منهن الأولى فالأولى وترك سائرهن.
قال الشيخ معنى الاختيار المذكور في الحديث يبطل إذا لم يكن له إلاّ حبس الأوليات فدل ذلك على أنه يختار من شاء منهن الأولى والأخرى في ذلك سواء ومن اعتبر فيهن هذا المعنى لزمه أن يعتبر أوصاف عقودهن فيما مضى فلا يجيز منهل العقود التي خلت عن الشهود والأولياء ولا العقود التي وقعت في أيام العدة من الزوج الأول فإذا لم يكن هذا معتبرًا فيها لأنه حكم ثابت من أحكام الجاهلية وقد لقيه الإسلام بالعفو، فكذلك التقديم والتأخير لا فرق بين الأمرين في ذلك فأما الأعيان فإنها قائمة غير فائتة وليست كالأوصاف التي قد فاتت بفوات الزمان الذي قد وقع فيه العقد فلا يقر الزوج على نكاح امرأة من ذوات المحارم اللاتي لو أراد ابتداء العقد عليهن في حال الإسلام لم يحللن.
قال أبو داود: حدثنا يحيى بن معين، قال: حَدَّثنا وهب بن جرير عن أبيه قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عَن أبي وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: قلت يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان قال: «طلق أيتهما شئت».
قال الشيخ في هذا بيان أن الاختيار إليه في إمساك من شاء منهن من المتقدمة والمتأخرة. وفيه حجة لمن ذهب إلى أن اختيار إحداهما لا يكون فسخًا لنكاح الأخرى حتى يطلقها.

.ومن باب إذا أسلم أحد الأبوين مع من يكون الولد:

قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، قال: حَدَّثنا عيسى، قال: حَدَّثنا عبد الحميد بن جعفر قال أخبرني أبي عن جدي رافع بن سنان «أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ابنتي وهي فطيم أو شبهه، وقال رافع ابنتي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقعد ناحية وقال لها اقعدي ناحية، قال وأقعد الصبية بينهما؛ ثم قال ادعواها فمالت الصبية إلى أمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها».
قال الشيخ في هذا بيان أن الولد الصغير إذا كان بين المسلم والكافر فإن المسلم أحق به، وإلى هذا ذهب الشافعي.
وقال أصحاب الرأي في الزوجين يفترقان بالطلاق والزوجة ذمية أن الأم أحق بأولادها ما لم تزوج ولا فرق في ذلك بين الذمية والمسلمة.

.ومن باب اللعان:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره «أن عويمر بن أشقر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي، فقال له يا عاصم أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل سل لي يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأل عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآن فاذهب فأت بها، فقال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها عويمر ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين.
قال الشيخ قوله كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها يريد به المسألة عما لا حاجة بالسائل إليها دون ما به إليه الحاجة، وذلك أن عاصمًا إنما كان يسأل لغيره لا لنفسه فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكراهة في ذلك إيثارًا لستر العورات وكراهة لهتك الحرمات.
وقد وجدنا المسألة في كتاب الله عز وجل على وجهين أحدهما ما كان على وجه التبين والتعلم فيما يلزم الحاجة إليه من أمر الدين. والآخر ما كان على طريق التكلف والتعنت فأباح النوع الأول وأمر به وأجاب عنه فقال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء: 7] وقال: {فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك} [يونس: 94] وقال في قصة موسى والخضر: {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} [الكهف: 70] وقال: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} [آل عمران: 187] فأوجب على من يسأل عن علم أن يجيب عنه وأن يبين ولا يكتم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار»، وقال عز وجل: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} [البقرة: 189] {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} [البقرة: 222] {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال: 1]، وقال في النوع الآخر: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} [الإسراء: 85]، {يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها} [النازعات: 43] وعاب مسألة بني إسرائيل في قصة البقرة لما كان على سبيل التكلف لما لا حاجة بهم إليه، وقد كانت الغنية وقعت بالبيان المتقدم فيها وكل ما كان من المسائل على هذا الوجه فهو مكروه، فإذا وقع السكوت عن جوابه فإنما هو زجر وردع للسائل؛ وإذا وقع الجواب فهو عقوبة وتغليظ.
وفي قوله هي طالق ثلاثا دليل على أن إيقاع التطليقات الثلاث مباح ولو كان محرمًا لأشبه أن يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله في ذلك ويبين بطلانه لمن بحضرته لأنه لا يجوز عليه أن يجري بحضرته باطل فلا ينكره ولا يرده.
وقد يحتج به من يرى أن الفرقة لا تقع بنفس اللعان حتى يفرق بينهما الحكام وذلك أن الفرقة لو كانت واقعة بينهما لم يكن للتطليقات الثلاث معنى.
وقد يحتج بذلك أيضًا من يرى الفرقة بنفس اللعان على وجه آخر وذلك أن الفرقة لو لم تكن واقعة باللعان لكانت المرأة في حكم المطلقات ثلاثًا.
وقد أجمعوا على أنها ليست في حكم المطلقات ثلاثًا تحل له بعد زوج فدل على أن الفرقة واقعة قبل، ويشبه أن يكون إنما دعاه إلى هذا القول أنه لما قيل له لا سبيل لك عليها وجد من ذلك في نفسه فقال كذبت عليها إن أمسكتها هي طالق ثلاثًا يريد بذلك تحقيق ما مضى من الفرقة وتوكيده.
وقوله فكانت سنة المتلاعنين يريد التفريق بينهما.
وقد اختلف في الوقت الذي يزول فيه فراش المرأة وتقع فيه الفرقة، فقال مالك والأوزاعي إذا التعن الرجل والمرأة جميعًا وقعت الفرقة، وروي ذلك عن ابن عباس.
وقال الشافعي إذا التعن الرجل وقعت الفرقة وإن لم تكن المرأة التعنت بعد.
وقال أصحاب الرأي الفرقة إنما تقع بتفريق الحاكم بينهما بعد أن يتلاعنا معا.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حَدَّثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، قال: «إنا لليلة جمعة في المسجد إذ دخل رجل من الأنصار في المسجد، فقال لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا فتكلم به جلدتموه أو قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ والله لأسألن عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} [النور: 6] هذه الاية فابتلى به ذلك الرجل من بين الناس فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها فشهد الرجل أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين ثم لعن الخامسة عليه إن كان من الكاذبين، قال فذهبت لتلتعن فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مه فأبت ففعلت، فلما أدبرا قال لعلها أن تجيء به أسود جعدًا فجاءت به أسود جعدًا».
قوله: «اللهم افتح» اللهم احكم أو بين الحكم فيه، والفتاح الحاكم ومنه قوله تعالى: {ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم} [سبأ: 26] وفي قوله: «لعلها أن تجيء به أسود جعدًا» دليل على أن المرأة كانت حاملًا وأن اللعان وقع على الحمل.
وممن رأى اللعان على نفي الحمل مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي.
وقال أبو حنيفة لا يلاعن بالحمل لأنه لا يدري لعله ريح.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حَدَّثنا ابن وهب عن عياض بن عبد الله الفهري وغيره عن ابن شهاب عن سهل بن سعد في هذا الخبر قال: «فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ما صنع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سنه، قال سهل حضرت هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدًا».
قوله: «فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم» يحتمل وجهين أحدهما إيقاع الطلاق وإنفاذه وهذا على قول من زعم أن اللعان لا يوجب الفرقة، وأن فراق العجلاني امرأته إنما كان بالطلاق، وهو قول عثمان البتي.
والوجه الآخر أن يكون معناه إنفاذ الفرقة الدائمة المتأبدة، وهذا على قول من لا يراها تصلح للزوج بحال وإن أكذب نفسه فيما رماها به. وإلى هذا ذهب الشافعي ومالك والأوزاعي والثوري ويعقوب وأحمد وإسحاق وشهد لذلك قوله: «ولا يجتمعان أبدا».
وقال الشافعي إن كانت زوجته أمة فلاعنها ثم اشتراها لم تحل له إصابتها لأن الفرقة وقعت متأبدة فصارت كحرمة الرضاع.
ومذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن أنه إدا كذب نفسه ثبت النسب ولحقه الولد.
وفيه دليل على أن الزوج إذا طلقها قبل اللعان لم يكن ذلك مانعًا من وجوب اللعان عليه. وقال الحسن والشعبي والقاسم بن محمد في الرجل يقذف زوجته ثم يطلقها ثلاثًا أن يلاعنها، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وذلك أن القذف كان وهي زوجة.
وقال أصحاب الرأي لا حد ولا لعان في ذلك، وهو قول حماد بن أبي سليمان وحكي عن الثوري.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار، قال: حَدَّثنا ابن أبي عدي قال أخبرنا هشام بن حسان قال: حدثني عكرمة عن ابن عباس أن «هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك قال يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلًا على امرأته يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول البينة وإلا فحد في ظهرك، فقال هلال والذي بعثك بالحق نبيًّا إني لصادق ولينزلن الله عز وجل في أمري ما يبرئ ظهري من الحد فنزلت: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم} [النور: 6] فقرأ حتى بلغ من الصادقين فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما فجاءا، فقام هلال بن أمية فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب ثم قامت فشهدت فلما كان عند الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وقالوا لها إنها موجبة؛ قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها سترجع وقالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الإليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن».
قال الشيخ فيه من الفقه أن الزوج إذا قذف امرأته برجل بعينه ثم تلاعنا فإن اللعان يسقط عنه الحد فيصير في التقدير ذكره المقذوف به تبعًا لا يعتبر حكمه وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قال لهلال بن أمية «البينة أو حد في ظهرك» فلما تلاعنا لم يعرض لهلال بالحد ولا روي في شيء من الأخبار أن شريكًا بن سحماء عفا عنه فعلم أن الحد الذي كان يلزمه بالقذف سقط عنه باللعان وذلك لأنه مضطر إلى ذكر من يقذفها به لإزالة الضرر عن نفسه فلم يحمل أمره على القصد له بالقذف وإدخال الضرر عليه.
وقال الشافعي وإنما يسقط الحد عنه إذا ذكر الرجل وسماه في اللعان فإن لم يفعل ذلك حد له.
وقال أبو حنيفة الحد لازم له وللرجل مطالبته به وقال مالك يحد للرجل ويلاعن للزوجة.
وفي قوله: «البينة وإلا حد في ظهرك» دليل على أنه إذا قذف زوجته ثم لم يأت بالبينة ولم يلاعن كان عليه الحد. وقال أبو حنيفة إذا لم يلتعن الزوج فلا شيء عليه.
وفي قوله عند الخامسة «إنها موجبة» دليل على أن اللعان لا يتم إلاّ باستيفاء عدد الخمس. وإليه ذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة إذا جاء بأكثر العدد ناب عن الجميع، وقوله: «الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل من تائب» فيه دليل على أن البينتين إذا تعارضتا تهاترتا وسقطتا.
وفيه دليل على أن الإمام إنما عليه أن يحكم بالظاهر وإن كانت هناك شبهة تعترض وأمور تدل على خلافه، ألا تراه يقول لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن.
والخدلج الساقين هو الغليظة.
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي، قال: حَدَّثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس، وذكر قصة هلال بن أمية وساقها بطولها وقال بعد أن ذكر التلاعن «فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمي ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها. وقال: إن جاءت به أصيهب أريصح أثيبج حمش الساقين سابغ الإليتين فهو للذي رميت به».
قال الشيخ وفيه من الفقه بيان أن اللعان فسخ وليس بطلاق وأنه ليس للملاعنة على زوجها سكنى ولا نفقة، وإليه ذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن اللعان تطليقة بائنة ولها السكنى والنفقة في العدة.
قال الشيخ وفيه بيان أن من رمى الملاعنة أو ولدها إن عليه الحد وهو قول أكثر العلماء.
وقال أصحاب الرأي إن كان جرى اللعان بينهما بالقذف لا على نفي الولد فإن قاذفها يحد، وإن كان لاعنها على ولد نفاه لم يكن على الذي يقذفها حد.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن حكى هذا المذهب عنهم وحجتهم فيه أن قالوا معها ولد لا أب له قالوا فإن مات ذلك الولد كان على من يرميها بعده الحد، وتعجب أبو عبيد من سقوط الحد وثبوته لحياة رجل ووفاته وقال لا يصح في رأي ولا نظر.
وفيه دلالة على جواز الاستدلال بالشبه.
وفيه بيان أن من لا يجوز الاستدلال به لا يحكم به إذا كان هناك ما هو أقوى منه في الدلالة على ضد موجبه ولو كان للشبه هنا حكم لوجب عليها الحد إذا جاءت به على النعت المكروه.
وفيه من العلم أن التحلية بالنعوت المعيبة إذا أريد بها التعريف لم تكن غيبه يأثم بها قائلها. والأصيهب تصغير الأصهب وهو الذي يعلوه صهبة وهي كالشقرة والأريصح تصغير الأرسح وهو خفيف الإليتين أبدلت السين منه صادا، وقد يكون أيضًا تصغير الأرصع أبدلت عينه حاء.
قال الأصمعي الأرصع الأرسخ والأشيج تصغير الأشج وهو الناتئ الثبج والثبج ما بين الكاهل ووسط الظهر والحمش الدقيق الساقين والخدلج العظيم الساقين والجمالي العظيم الخلق شبه خلقه بخلق الجمل، يقال ناقة جمالية إذا شبهت بالفحل من الإبل في عظم الخلق.
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رجلًا لاعن امرأته في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة».
قال الشيخ يحتج به من لا يرى البينونة تقع بين المتلاعنين إلاّ بتفريق الحاكم وذلك لإضافة التفريق بينهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استشهدوا في ذلك أيضًا بالفسوخ التي يحتاج فيها إلى حضرة الحكام فإنها لا يقع إلاّ بهم.
وذهب الشافعي إلى أن التفريق بينهما واقع بنفس اللعان أو بنفس اللعن، إلاّ أنه لما جرى التلاعن بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أضيف التفريق ونسب إلى فعله كما تقوم البينة إما بالشهادة أو بإقرار المدعى عليه فيثبت الحق بهما عليه ثم يضاف الأمر في ذلك إلى قضاء القاضي ولو وجب أن لا يكون التفرقة إلاّ بأمر الحاكم لوجب أن لا ينفى الولد عن الزوج إلاّ بحكم الحاكم لأنه قد نسق عليه في الذكر فقيل: فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين وألحق الولد بالأم فإذا جاز أن يلحق الولد بالأم وينقطع نسبه عن الأب من غير صنع للحاكم فيه جاز أن يقع الفرقة بينهما من غير صنع له فيه والله أعلم.
قال وإنما معنى قوله: فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين أي بين أن الفرقة وقعت بينهم باللعان.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن جعفر الوركاني، قال: حَدَّثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سهل بن سعد في خبر المتلاعنين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبصروها فإن جاءت به أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلاّ قد صدق، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلاّ كاذبًا».
قال الشيخ الوحرة دويبة وجمعها وحر، ومنه قيل فلان وحر الصدر إذا دبت العداوة في قلبه كدبيب الوحر.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال سمع عمر وسعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عمر يقول: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها، قال يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كذبت عليها فذلك أبعد لك».
قال الشيخ قوله: «لا سبيل لك عليها» فيه بيان وقوع الفرقة بينهما باللعان خلاف قول عثمان البتي أن اللعان لا يوجب الفرقة.
وفيه دلالة على أن الفرقة باللعان متأبدة ولو كان له عليها سبيل إذا كذب نفسه لاستثناه، فقال إلاّ أن تكذب نفسك فيكون لك عليها حينئذ سبيل فلما أطلق الكلام دل على تأبيد الفرقة.
وفيه بيان أن زوج الملاعنة لا يرجع عليها بالمهر وإن أقرت المرأة بالزنا أو قامت عليها البينة بذلك.
قال الشيخ وهذا في المدخول بها، ألا تراه يقول فهو بما استحللت من فرجها فأما غير المدخول بها فقد اختلف الناس فيها، فقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير يلاعنها ولها نصف الصداق، وإليه ذهب مالك والأوزاعي.
وقال الحكم وحماد لها الصداق كاملًا، وقال الزهري يتلاعنان ولا صداق لها.